%D9%85%D8%AC%D8%AF%D9%84%20%D8%B4%D9%85%D8%B3..%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A%20%D9%84%D9%85%20%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D9%87%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%84 - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


القرية التي لم تشاهد نهائي المونديال....

سهيل كيوان - 15\07\2010

لم يشاهد أهالي قرية مجدل شمس المباراة النهائية في المونديال، ليس بسبب تقني أو فني، بل شغلتهم مباراة أخرى بلا حكم ولا جمهور سوى أهل القرية أنفسهم!
يؤمن أهل هذه القرية أنهم أقرب أهل المعمورة من الشمس، ورغم الثورة المعلوماتية التي أتت لتؤكد لهم بالصوت والصورة أن هناك من هم أقرب منهم بكثير من نار الحياة الموقدة، إلا أنهم لم يتخلوا عن قناعتهم الموروثة والتي يشاهدونها بالعين المجردة فجر كل يوم، فهم من موقعهم القريب من عمامة جبل الشيخ ينظرون حولهم فيشاهدون كل شيء تحتهم، بحيرات وأنهار وجداول من الأشجار المحملة بكثير مما وُعد به أهل الجنة، معظمها من صنع أيديهم وعرقهم، وبعضها من صنع أيدي المستوطنين الطامعين بتراب ومياه وهواء العرب!
كان ذلك ثلاث ساعات قبل بدء صراع آلهة الكرة النهائي، هبطت في مطار اللد طائرة كان على متنها أكثر من مئتي مسافر بينهم شاب يدعى فداء الشاعر، بدأ تعلم الموسيقى منذ كانت تنمو في فمه أسنان الحليب. طال انتظار المسافرين في الطائرة الرابضة منذ ساعة، وأكثر ما يقلقهم هو اقتراب موعد المباراة النهائية! أخيراً سمح لهم بالمغادرة باستثناء الشاب الذي يدرس الموسيقى في باريس بعدما درسها ثلاث سنوات في دمشق، كان والده ينتظره في قاعة الاستقبال في مطار اللد، اتصل به أكثر من مرة، وفي كل مرة كان فداء يطمئن والده بأنه سيخرج بعد قليل، لكن في المرة الأخيرة رن الهاتف ولم يرد أحد!
بعد قلق تفاقم اتصل رجل غامض بالوالد وأعلمه: 'ابنك فداء موقوف ولا تفاصيل الآن، لا تنتظره'! خرج الوالد من المطار وبين جوانحه نار القلق. بعد بضعة كيلومترات تأكدت شكوكه، فالسيارتان من أمامه وخلفه تتابعانه! أوقفوه وفتشوه مع السيارة ثم طلبوا منه أن يقودهم إلى حيث يعمل وينام في ورشة للبناء، وهو مكان غير بعيد عن المطار، وهناك فتشوا غرفة نومه، وخلال هذا منعوه من استقبال اتصال أو المبادرة إليه!
في الوقت ذاته كانت قوة من الشرطة مؤلفة من تسعة عشر شرطيا تطرق باب الأسرة في القرية التي تبعد أكثر من مئتي كيلومتر عن سفح الجبل الذي لم تصمد عمامته البيضاء أمام التغيرات المناخية، فذابت وانكشف الرأس عارياً إلا من أجهزة وعتاد ترصد حركات وسكنات بني أمية من علٍ، تلك القمة التي سالت فيها دماء كثيرين من أمم خلت وأخرى لم تخل بعد، غزاة وذائدين، كان أغزرها ما سال في حرب تشرين حيث أبادت الطائرات الإسرائيلية مئات المظليين المشتبكين على قمته من السوريين والإسرائيليين على حد سواء ليتسنى لهم إعادة احتلاله!
دخلت الشرطة لتفتيش البيت المؤلف من طبقات ثلاث، الأولى لبيع الكنافة وغيرها من الحلوى، الثانية للبيانو والكمان والعود والضيوف، والثالثة لأهل البيت!
كان هناك أم مع ابنها الأصغر تنتظر زوجها وحشاشة كبدها! لم يكن في العمارة أتراك مسلحون بالعصي والجنازير وسكاكين المطبخ، كان هناك عرب قرويون أرادوا أن يقوموا بواحد من الفروض تجاه جار غائب عن بيته، ولكن الشرطيين المقتنعين بأن العرب لا يفهمون سوى لغة الحمير المحرنة قرروا تطبيق نظرية الحمار واعتبروا تدخل الجيران تطفلاً في شأن لا يعنيهم!
افتتحوا المباراة بالغاز المسيل للدموع، وهذا ما اعتبره الجيران ضحالة فكرية تنم عن جهل في أصول اللعب في قرية يكاد يأكل ويشرب أبناؤها العشرة آلاف من طبق واحد!
وكان لا بد من إشهار فوري للبطاقة الحمراء في وجه قائد الوحدة التي تقنّع معظم أفرادها بجوارب سوداء.
استهتر القائد بالبطاقة الحمراء بل ازداد خشونة وتردد صدى القنابل الصوتية في كل زوايا القرية وانتشرت رائحة الغاز وسالت العيون خصوصاً الأطفال، كانت كل قنبلة توقظ نخوة مئات آخرين!
مضى الشرطيون عكس عقارب الساعة فأطلقوا المزيد للترويع! وانتهى الشوط الأول لصالحهم فبين أيديهم سيدة مريضة بالربو تكاد تختنق وابنها الصغير وجهازا حاسوب وهاتف أرضي تم كسره وآخر تمّت مصادرته وغنائم أخرى!
لم تكن هناك فترة استراحة، بدأ الشوط الثاني بهجمات مرتدة قوية فدمر الأهالي السيارات الأربع التي أقلت المعتدين وقلبوها على جنبها وظهرها، وأدرك لاعبو منتخب الشرطة أنهم محاصرون بأكثر من ثلاثة آلاف أنف مصمم على تنفس هواء الحرية وإن كان ملوثاً بالغاز!
حلقت في الفضاء مروحيتان، كان قائد شرطة الشمال يستقل إحداهما ويراقب، وبسرعة طلب تعزيزات فاكتظت شوارع الشمال بزعيقهم! وبالمقابل هُرع الشيوخ من خلواتهم وطلبوا الدخول الى البيت المحاصر، ولكن قائد الوحدة المقتحمة كان مرعوباً ورفض فتح الباب، رغم أن الشيوخ منحوه الأمان والخروج بسلام شرط أن يتركوا كل شيء في مكانه والخروج!
قائد الوحدة المرعوب يريد الخروج ولكن بشيء من الكرامة، فطلب من الشيوخ أن يعملوا على إخلاء الجماهير من المكان وفقط حينئذ سيخرج هو ورجاله، فقال له ممثل وفد الشيوخ 'أهل البيت لا يتركون مكانهم، بل أنت ورجالك الذين تتركون'!
ـ وماذا عن الجمهور الغاضب؟
ستخرجون تحت حمايتنا وغير ذلك لن يصحّ!
رفض القائد المغامرة وفضل أن يبقى حتى يتلقى موافقة من المحلق في المروحية!
ازداد الأمر توتراً فلا الشرطة تسمح للسيدة وابنها بالخروج من البيت ولا الجمهور يسمح للتسعة عشر شرطيا بالمغادرة وبات الأمر وكأنه إمساك متبادل لرهائن!
بدأ اللعب في الوقت الإضافي وبعد الفحص العميق أخبر القائد من المروحية رجاله أن الطريقة الأفضل لضمان خروجهم بسلام هي الاحتماء بعباءة الشيوخ وإلا فإن كارثة ستقع!
أحضرت حافلة جلس شيخ في ميمنتها وآخر في ميسرتها، ثم سمح لرجال الشرطة بالخروج بحراسة بقية الشيوخ وسط صفير الاستنكار وهتافات السخرية تاركين وراءهم سياراتهم الأربع محطمة تماما! بينما أجهشت شرطية كانت معهم بالبكاء وهي تصف ما رأته بأنه من أسوأ كوابيس حياتها!
في ذلك المساء انشغل العالم بأفراح إسبانيا، وقالت وسائل الإعلام الرسمية إن ثلاثة من رجال الشرطة حوصروا في بناية من قبل جماهير غاضبة بعد دخولهم لإجراء حجوزات بسبب ديون ضرائبية على صاحب المنزل! ولكن في اليوم التالي سُمح بالنشر بأن فداء الذي يدرس الموسيقى منذ طفولته معتقل بتهمة التجسس لصالح جهة معادية.. بينما يؤكد الأهالي أن ما جرى هو جس نبض، فسلطات الاحتلال تنوي مصادرة أرض الوقف المحيطة بالقرية وهي تمنع الأهالي من إقامة أي بناء فوقها أو توزيعها على المحتاجين! إلى جانب هذا فقد أقرت لجنة التشريعات في الكنيست يوم أمس الأربعاء مشروع قانون يمنع أي انسحاب مستقبلي من الجولان إلا بموافقة أكثرية أعضاء الكنيست إلى جانب استفتاء شعبي يحظى بموافقة أكثرية الشعب!
انتهى المونديال ولم يستمتع أهالي قرية مجدل شمس السورية المحتلة بالمباراة النهائية، ولكنهم خاضوا مباراتهم، وهي ليست نهائية بل واحدة من مباريات كثيرة في الطريق الوعر إلى دور النهائي الذي ما زال بعيداً...